الإبداع من أبرز السمات التي تميز البشر عن باقي الكائنات الحية، وهو يشكل جوهر النجاح في مختلف جوانب الحياة. الأطفال، الذين يمتلكون قدرة طبيعية على التفكير الخلاق والتعبير عن أنفسهم بطرق مبتكرة، هم أكثر الفئات التي تملك إمكانيات هائلة في مجال الإبداع. لكن، ومع مرور الوقت، قد تتعرض هذه القدرات للإضعاف بسبب تصرفات وأفعال غير مدروسة من الكبار، خصوصًا من الآباء والمعلمين. فيما يلي، نتناول بعض التصرفات التي يمكن أن تقضي على الإبداع لدى الأطفال، وتقلل من قدرتهم على التفكير الخلاق.
1. التوجيه المفرط والضغط على الطفل لتحقيق نتائج محددة
عندما يقوم الأهل أو المعلمون بتوجيه الأطفال بشكل مفرط وتحديد مسار أفكارهم بشكل صارم، فإنهم بذلك يقيدون إبداعهم. الأطفال بطبيعتهم يميلون إلى الاستكشاف والتجربة بأكثر من طريقة، ولكن عندما يتم فرض أفكار أو حلول معينة عليهم، فإنهم قد يصبحون أقل قدرة على التفكير بشكل مبتكر. على سبيل المثال، عندما يُطلب من الطفل رسم صورة بشكل محدد، مثل رسم شجرة بدقة شديدة دون إتاحة المجال له للتعبير عن رؤيته الخاصة لشجرة، فإن هذا يحجم قدرته على التفكير الخلاق. الإبداع يحتاج إلى مساحة من الحرية، والتوجيه المستمر يمكن أن يعوقه.
2. استخدام النقد المفرط وعدم تقدير الجهد
النقد المستمر أو اللجوء إلى التقليل من قيمة الأفكار والإبداعات التي يعرضها الطفل يمكن أن يكون له أثر سلبي عميق على مستوى ثقته بنفسه. عندما يواجه الطفل دائمًا ردود فعل سلبية من المحيطين به، سواء كان ذلك بسبب رسمة لم تكن جيدة كما هو متوقع أو فكرة لم تكتمل بالشكل الصحيح، يبدأ الطفل في الخوف من تجربة أشياء جديدة. هذا الخوف يمكن أن يقيده ويجعله يتجنب التفكير في طرق جديدة أو غير تقليدية لحل المشاكل أو التعبير عن نفسه. وبالتالي، يصبح الطفل أكثر تحفظًا وأقل استعدادًا للإبداع.
3. تقديم المكافآت المبالغ فيها مقابل الإنجازات البسيطة
قد يبدو تقديم مكافآت مادية أو معنوية وسيلة لتعزيز سلوكيات معينة عند الأطفال، ولكن إذا كانت هذه المكافآت تأتي بشكل مبالغ فيه مقابل إنجازات بسيطة أو بديهية، فإنها يمكن أن تؤدي إلى تراجع الإبداع. عندما يتوقع الطفل مكافأة فورية لكل عمل بسيط يقوم به، فإنه يبدأ في التركيز على الحصول على المكافآت بدلاً من التفكير الخلاق والابتكار. المبالغة في تقديم المكافآت تجعل الطفل يسعى فقط لإرضاء توقعات الآخرين، مما يضعف قدرته على التفكير بشكل مستقل ويقيد تطوره الإبداعي.
4. التحكم الزائد في وقت الطفل والأنشطة التي يقوم بها
يجب أن يكون للأطفال وقت فراغ يسمح لهم بالاستكشاف والتعلم بحرية، ولكن العديد من الآباء والمربين يقومون بجدولة كل لحظة من حياة الطفل، مما يترك لهم أقل فرصة لاستكشاف اهتماماتهم الخاصة. عندما يتم تحديد الأنشطة بشكل صارم للغاية، فإن الطفل لا يمتلك المساحة لاكتشاف ذاته أو ممارسة أنشطة جديدة قد تثير خياله وتطور مهاراته الإبداعية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور الطفل بالتعب والإرهاق من الأنشطة المقررة له، مما يؤدي في النهاية إلى تراجع اهتمامه بالإبداع.
5. تجاهل الفشل كجزء من عملية التعلم
الفشل ليس نهاية العالم، بل هو جزء لا يتجزأ من عملية التعلم والإبداع. لكن، العديد من الأطفال يتعرضون لضغوطات كبيرة لتجنب الفشل أو يعاقبون عليه. هذه الرسائل السلبية التي تصل إلى الطفل قد تجعله يشعر بأن الفشل أمر سيء ويجب تجنبه بأي ثمن. لذلك، عندما يواجه الطفل فشلاً في محاولاته الإبداعية، يصبح أكثر ترددًا وأقل قدرة على التجرؤ على التجربة مجددًا. بينما الإبداع يتطلب التجربة والخطأ، ويجب أن يُشجّع الأطفال على التعامل مع الفشل بشكل إيجابي وتعلم الدروس منه بدلاً من الخوف منه.
6. التقليل من قيمة اللعب والأنشطة اللامنهجية
اللعب هو أحد أهم الأنشطة التي يعبر فيها الأطفال عن إبداعهم بشكل طبيعي. من خلال اللعب، يمكن للأطفال استكشاف العالم من حولهم، تجربة أدوار مختلفة، وفهم كيفية عمل الأشياء. لكن مع الأسف، العديد من الأطفال يتم إجبارهم على التركيز فقط على المواد الدراسية أو الأنشطة الأكاديمية. عندما يتم التقليل من أهمية اللعب أو منعه لصالح الأنشطة الأكثر تنظيمًا، فإن الأطفال يفقدون فرصة تطوير مهاراتهم الإبداعية. اللعب المفتوح، الذي لا يتبع قواعد صارمة، يتيح للأطفال أن يعبروا عن أنفسهم بطريقة حرة ومبتكرة.
الخلاصة
إن تحفيز الإبداع لدى الأطفال يتطلب توفير بيئة تشجع على التفكير الحر والتجربة والتعلم من الأخطاء. يجب أن نكون حذرين في كيفية تعاملنا مع إبداعاتهم وألا نثقلهم بتوقعات عالية أو مكافآت غير مناسبة. لا يمكننا أن ننسى أن الأطفال يحتاجون إلى وقت للعب والتجربة والاستكشاف بعيدًا عن القيود. الإبداع ليس مجرد موهبة، بل هو مهارة تتطور في بيئة داعمة وفهمية، وعندما نسمح للأطفال بالتعبير عن أنفسهم بحرية، فإننا بذلك نبني الأسس لشخصياتهم المبدعة التي ستنير طريقهم في المستقبل.
